جامع السليمانية Süleymaniye Camii

واحداً من أعظم أعمال المعماري سنان آغا. وهو أكبر جامع في مدينة اسطنبول. سمي بجامع السليمانية نسبة للسلطان سليمان القانوني.

يقع جامع السليمانية في حي السليمانية ضمن مقاطعة الفاتح في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول.

صمم وبنى جامع السليمانية المعماري سنان آغا عام 1550م وبأمر من السلطان سليمان القانوني على طراز العمارة العثمانية الكلاسيكية. ويقال أن مجموع شرفات المنارات العشرة ترمز إلى ترتيب السلطان سليمان الأول، فهو العاشر في سلسلة سلاطين الدولة العثمانية.

حكاية جامع السليمانية

يحكى أن السلطان سليمان القانوني أراد أن يبني جامعاً فخماً فأرسل إلى أشهر وأكبر المعماريين في العهد العثماني وهو المعماري سنان آغا، وقبل أن يبدأ سنان آغا بالعمل إستدعى أشهر الحرفيين والمهندسين المعماريين والفنيين للمشاركة في بناء هذا الصرح العظيم، فبلغ عددهم حوالي 3523 ممن جائوا من كافة أطراف الدولة العثمانية، وأعد الخرائط والتصاميم والأفكار والنماذج، ووضعها بين يدي السلطان سليمان فأعجب بها وأعطى الموافقة بالبدأ بالعمل، وفتح باب خزنته لتنفيذه بلا حساب حيث تم صرف 996300 قطعة ذهبية من أجل بنائه، وهذا ما كان له الأثر في إطلاق العنان لخيال وخبرة المعماري سنان آغا لإنجاز جامعاً طالما إفتخر به وقال عنه: إن هذا الجامع هو أعظم إنجازاتي.

بدأ المعماري سنان آغا في بناء الجامع في 13 / حزيران (يونيو) / 1550م وانتهى في 15 / تشرين الاول (أكتوبر) / 1557م. هناك روايات كثيرة حول بناء جامع السليمانية، من هذه الروايات أنه حصل توقف في بناء الجامع حيث أنه وبعد أن وضع سنان آغا أساسات الجامع طلب إيقاف البناء لمدة عام كامل لتمكين الأساسات بشكل جيد بعدما مرت على إسطنبول العديد من الزلازل. وفي أثناء ذلك ظن شاه إيران أن ثمة أسباباً مادية عطلت بناء الجامع، فأرسل كمية من المجوهرات للمعماري سنان آغا، الأمر الذي تسبب في غضب السلطان سليمان وأعطى المجوهرات للمعماري سنان آغا، وطلب منه وضعها بين الحجارة. وتقول الروايات إن هذه المجوهرات مخفيّة اليوم تحت إحدى مآذن الجامع.

إن أهم ما يميز جامع السليمانية هو بناؤه بشكل يعكس صدى الأصوات بداخله، وهذا ما عمل عليه المعماري سنان آغا، فقد وضع مكعبات مفرغة من الداخل حول محيط القبة وبنقاط مختلفة من الجامع في الداخل. وتوجد رواية حول جهود سنان آغا في عمل تجارب الصوت هذه، فبينما صرف سنان آغا وقته وجهده في بناء هذا الجامع أوصل بعض حساده إلى السلطان سليمان بأن سنان آغا يشرب النرجيلة داخل الجامع، وعندها غضب السلطان سليمان وذهب بنفسه لرؤية ما يحدث، إلا أنه اكتشف فيما بعد بأن سنان آغا ينفخ بالنرجيلة من دون تبغ، فقط ليسمع صدى صوت قرقعة الماء الموجود بداخل النرجيلة في الجامع.

مكونات جامع السليمانية

بني الجامع طبقاً لنظام المجمعات المعمارية (المجمعات الكلية)، وهو عبارة عن مبنى كبير من حوله مجموعة من الملحقات والمنشآت، ويتكون المجمع من: الجامع، مدرسة الأول، مدرسة الثاني، مدرسة الثالث، مدرسة الرابع، مدرسة الطب، مدرسة دار الحديث، ضريح السلطان سليمان القانوني، ضريح السلطانه هرم، ضريح المعماري سنان آغا، مكتبة ( مكتبة السليمانية المعروفة التي تحتوي على نحو 70 ألف مخطوطة 80% منها باللغة العربية)، حمام، مطعم خيري لتوزيع الطعام على الفقراء، مطبعة، دار الضيافة، خانة للقوافل (كَروان سَراي) ومستشفى ومحلات تجارية.

عمارة جامع السليمانية

يعتبر جامع السليمانية بلا شك المكان الأجمل والأكثر جاذبية في الكلية. الجامع حاله حال إخوته من تحف المعماري سنان آغا. يتميز الجامع ببساطته، ولكن هذه البساطة تنعكس على عظمة وجمال الجامع. وعل الرغم من أن الزخارف والتزويق لم تستخدم إلا في تزيين وتجميل الكتابات، إلا أن التصميم الهندسي للجامع يبقى عجيبة من عجائب التصميم.

النوافذ ذات الزجاج المزركش التي تقع على الحائط الذي يستند عليه المحراب، وكذلك إطار المحراب الجانبيين واحدة من أثار الحرفي المشهور سرهوش ابرهيم. القبة الكبيرة للجامع تجلس على 4 أعمدة وردية ضخمة. يبلغ عمقها ضعفي قطرها. ولكي يصبح وزن القبة خفيفا تم تصنبع نوع خاص من الطوب الخفيف، لاستعماله في بناء القبة. بالإضافة إلى ذلك. تم تثبيت وربط احجار البناء مع بعضها البعض بروابط حديدية، وتم صب الرصاص على هذه الروابط لتثبيتها وتقويتها.

يتم إنارة الجامع عن طريق 128 نافذة والعشرات من القناديل. ولحماية جدران الجامع من السخام المنبعث من القناديل وكذلك للاستفادة من هذا السخام في تصنيع الحبر، تم إنشاء غرفة سخام عند المدخل لهذا الغرض. وعلى زوايا الفناء الداخلي والذي يسمى بالحرم الأبيض، ترتفع أربع مآذن ذات شرفات (اثنتان ذات شرفتين واثنتين ذات ثلاث شرفات)، وبنيت المآذن من الرخام الابيض. ويدل عدد المآذن على كون السلطان سليمان الخليفة الرابع بعد فتح القسطنطينية، أما الشرفات العشرعلى المآذن فتدل على كونه السلطان العثماني العاشر في الدولة العثمانية. وفي وسط الفناء يوجد نافورة مستطيلة الشكل تحتوي على قطعتين من الفسيفساء مزينة بأشكال نباتية. كما ويوجد بها الشاذروان (مكان الوضوء).

يبلغ طول جامع السليمانية حوالي 69 م، وعرضه 63 م. تم إستخدام البلاط التركي المصقول، والتصاميم ذات الصقل المظلل المؤلفة من سبعة ألوان بما في ذلك اللون الأحمر الأرجواني مع خطوط بيضاء وسوداء، واللون الأزرق الفائق، والتي تكسو الجدران الداخلية لبيت الصلاة بزخارفها التي جاءت على شكل زهور التوليب والقرنفل والجوري والبنفسج والأقحوان وأوراق العنب وأشجار التفاح. وعندما تجتاز إلى القسم الداخلي من الجامع يأخذك الجمال الهندسي والزينة التي تغطي جدران الجامع.

بني الجامع على نظام القبة الوسطى، يبلغ إرتفاع القبة الرئيسية القائمة فوق وسط بيت الصلاة 53 م، وقطرها 27.25م، وتقوم هذه القبة على أربعة أعمدة هائلة يطلق عليها اسم (أقدام الفيل) لسمكها وضخامتها، وهي متمركزة قرب الجدران، طول كل قطر فيها 7.5م، ووزن الواحد منها 60 طناً. وهناك تناسق مهيب بين مكونات وعناصر هذا المكان.

أما المحراب والمنبر فمصنوعان من المرمر المحفور، ومنبر الواعظ (غير منبر الخطيب) من الخشب المحفور وفي زوايا المحراب تشاهد نقوشاً محفورة لأوراق ذهبية، وزُينت أطراف المنبر بالخزَف، ويوجد مجلس السلطان على الجهة الشمالية من المِحراب. يؤدي فيه الصلاة، وساحة الصلاة تأخذ شكل المستطيل، وهي مغطاة بألواح المرمر الأبيض، وتتسع لـ 5000 مصلي. وعهد سنان آغا إلى أشهر خطاطي عصره مثل حسن أفندي جلبي القره حصاري بكتابة خطوط الجامع التي جاءت غاية في الفن والإبداع، وقد زينت جدران الجامع بآيات من القرآن الكريم وكتبت بخط جميل، وهي نموذج واضح لفن الخط التركي. وقد قيل إن القرآن نزل في الحجاز، وقرئ في مصر وكتب في إسطنبول. وهناك وعلى المدخل الرئيسي في الناحية الأمامية أماكن مخصصة للنساء وخلف بيت الصلاة في جامع السليمانية يقع صحن الجامع أو الساحة الداخلية، وهي مستطيلة الشكل، وأرضية تلك الساحة مغطاة بألواح كبيرة من المرمر، ولها بوابتان على جانبيها، وبوابة في الوسط، وهذه البوابة الوسطى لها شكل باب أثري ذي تاج، وتعد عملاً معمارياً فريداً ومهماً وهي مثال رائع للفن السلجوقي، وقد نقش بالذهب وبشكل بارز فوقها شهادة (لا اله إلا الله محمد رسول الله).