اسطنبول هي إحدى المدن الزاخرة أزقتها بأضرحة أولياء الله الصالحين، التي ينبغي علينا أن نمر بها ونزورها لنلقي عليهم السلام أو نقرأ عليهم الفاتحة. فكل حي تذهب إليه في هذه المدينة، تجد فيه تكية من تكايا الأولياء أو أضرحة لهم، وفي بعض الأحيان يحتار الزائر إلى أيها يذهب من كثرتها ويدعو لهم ويلقى السلام على أرواحهم.
يعتبر ضريح سومبل أفندي أحد كبار علماء الدولة العثمانية، التي دامت لأكثر من 500 عام مكاناً جذاباً في كل الأوقات، وزادت نسبة الإقبال على زيارته في الآونة الأخيرة.
ولعل أعمال الصيانة التي قامتبها بلدية الفاتح في الجامع والتكية وماحولها و انتشار تسجيلات الفيديو للحافظ إبراهيم يلديز الإمام الشاب لجامع سومبل أفندي، وهو يتلو القرآن الكريم عبر الإنترنت، كان لها دور كبير في التعريف به وزيادة الحركة فيه.
ومن العوامل المهمة التي تلعب دوراً في إزدياد الإهتمام والإقبال على المكان هو قيام المسؤولين بالجامع بتقديم الحساء للمصلين عقب صلاة الفجر أيام الأحد مثلما كان في أيام سومبل أفندي.
الاسم الحقيقي لسومبل أفندي هو يوسف بن علي، المعروف بسومبل سنان، ولد في عام 1452م بمدينة مارزيفون بشمال تركيا، وقام بتحصيل العلم منذ نعومة أظفاره في مدينة إسبرطة، وبعدها قدم إلى اسطنبول.
نشأ سومبل أفندي في عهد السلطان محمد الفاتح ومارس دوره كعالم كبير في عهود السلاطين بيازيد الثاني وياووز سليم والسلطان سليمان القانوني. قرر سومبل أفندي أن ينشِئ تكيّته في المكان الذي قام فيه مقر الصدر الأعظم (رئيس الوزراء في الدولة العثمانية) كوجا مصطفى باشا بتحويل إحدى الكنائس إلى جامع، وتربى على يده الكثير من العلماء، ومنهم مركز أفندي زوج ابنته الموجود قبره في منطقة زيتين بورنو باسطنبول. وسومبل أفندي أحد رواد الطريقة الخلوتية، وإنتقل إلى رحمة الله في 1529م ودفن في فناء تكيته.
تقع تكية سومبل أفندي في وسط حي كوجا مصطفى باشا ضمن مقاطعة الفاتح في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول، وموجودة داخل فناء الجامع الواسع المحاط بالأسوار من جميع جهاته، وهناك ثلاث أبواب يفتح من فناء الجامع إلى الحي، كما يوجد هنا قبر الخطاط العثماني المشهور حافظ عثمان، وبالقرب منه يوجد قبر سومبل أفندي، كما يوجد قبر لاثنتين من بنات سيدنا الحسين، ويروى أن الفتاتين اللتين تعرفان بالسلطانتين جاءتا مع الصحابة الكرام عند محاصرة اسطنبول وإنتقلتا إلى رحمة الله في اسطنبول ودفنتا في ذلك المكان.
وفي رواية أخرى يقال إنه تم أسرهما من قبل البيزنطيين أثناء فتح اسطنبول، أسم إحداهما فاطمة والأخرى سكينة، وأختفى قبرهما مع مرور الوقت، لكن سومبل أفندي إكتشف مكان مدفنهما، وقام السلطان محمود الثاني بتشييد القبر الموجود حالياً.
وتطل من أمام قبر السلطانتين شجرة سرو عمرها يمتد لعصور تم الحفاظ عليها ببناية من الخشب، والظن الغالب أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه هو الذي غرس هذه الشجرة بعد دفن السلطانتين، وكان الجامع في عهد البيزنطيين كنيسة، وتم تحويله إلى جامع من قبل كوجا مصطفى باشا بناءً على رغبة السلطان بايزيد الثاني، والمسجد يقبل عليه الكثير من المصلين، وعلى وجه الخصوص أصبح يمتلئ بالمصلين في صلاة الفجر في السنوات الأخيرة، إلا أنه يحتاج إلى إعادة ترميم.
ويوجد بالجامع معهدان على جانبيه، يستخدمان كمركزين لتعليم وحفظ القرآن الكريم أحدهما للبنين والآخر للبنات، كما يوجد في الفناء المواجه للمقابر حديقة شاي ومكتبة، والقادمون لزيارة الجامع لا يبرحون المكان دون أن يتناولوا كوباً من الشاي.