إن زيادة كفاءة أشكال التعلم عن بعد وأسالیبه جاءت نتیجة التطور الكبیر في التقنیة المعلوماتیة ووسائل الإتصال الحديثة مما أدى إلى رواج إستخداماتھا التعلیمیة وظھور أشكال وأسالیب جديدة أكثر فعالیة منھا، مقاربة التعلم متعدد القنوات. إذ يمكن ومن حیث المبدأ أن نفرق بین التعلم عن بعد كبديل للتعلم الإعتیادي، إذ يترتب على الالتحاق بمناھج التعلم عن بعد إكمال مرحلة تعلیمیة أو الحصول على مؤھل، وبین التعلم عن بعد كمكمل للتعلم الإعتیادي في سیاق التعلم متعدد القنوات، الذي تقوم فیه أشكال أو أسالیب من التعلم عن بعد في ضفیرة حول التعلیم في المؤسسات التعلیمیة النظامیة. وقد أصبح التعلم عن بعد، وتعدد قنواته التعلیمیة، عنصرين أساسیین ومھمین، في منظومة التعلم المتكاملة في المجتمعات المتطورة، ومعروف أن أسس التعلیم في البلدان النامیة تواجه أو تعاني من أوجه قصور ومشاكل متعددة تظھر أن التعلم عن بعد خاصة في سیاق التعلم متعدد القنوات يمكن أن يسھم في مواجھتھا. ويقع على رأس قائمة أوجه القصور وھذه المشاكل ھو الإبتعاد عن التعلیم الاعتیادي إما بسبب النوع أو البعد المكاني، أو العوز أو الفقر، ولا يقل عن ذلك أھمیة إنخفاض نوعیة التعلم، وضعف العلاقة بین التعلم ومقتضیات التنمیة والتطور.غیر أن مشاكل أسس أو نسق التعلیم، وسمات السیاق العام له في البلدان النامیة، يمكن أن تُنتج أنماطاً أو أسالیب عدة من التعلم عن بعد قد تكون مشوھة وقلیلة الكفاءة أو الجودة، إذا لم يخطط لھا بدراية وخبرة سابقة، فضلاً عن توفیر المستلزمات والإمكانیات الكافیة لھا. كذلك قد يصعد أو يزيد إعتماد تعدد القنوات التعلیمیة، دون تحسب دقیق، من مشاكل تنظیم الأسس أو النسق التعلیمیة وإدارتھا بكفاءة، ولذلك فإن الإستثمار الناجح للتقنیة المعلوماتیة ووسائل الاتصال الحديثة في التعلم عن بعد.
مفھوم التعلم عن بعد
يعني ھذا النظام بصفة عامة نقل التعلم إلى المتعلم في موقع إقامته أو عمله بدلاً من إنتقال المتعلم إلى المؤسسة التعلیمیة ذاتھا، وعلى ھذا الأساس يتمكن المتعلم أن يزاوج بین التعلم والعمل إن أراد ذلك، وأن يكیف المنھج الدراسي وسرعة التقدم في المادة الدراسیة بما يتفق مع الأوضاع والظروف الخاصة به. ويعرف التعلم عن بعد بأنه عبارة عن نظام تعلیمي يقوم على فكرة إيصال المادة التعلیمیة إلى المتعلم عبر وسائط أو أسالیب إلاتصالات التقنیة المختلفة، إذ يكون المتعلم بعیداً ومنفصلاً عن المعلم أو القائم بالعملیة التعلیمیة، وإن ھذا النوع من التعلم يتم عندما تفصل المسافة الطبیعیة ما بین المتعلم والمعلم أو القائم بالعملیة التعلیمیة خلال حدوث عملیة التعلم. كما ويعرف التعلم عن بعد بأنه نظام لتوفیر التعلم للناس أو الأفراد سواء أكان ھذا التعلم ھو إستكمال لنظام التعلم الصفي الاعتیادي أو للنظام المستقل بإستخدام أسالیب متعددة ومتنوعة. وفي مكان آخر تم تعريف التعلم عن بعد بأنه عبارة عن كل أشكال الدراسة التي لا يھتم بھا معلمون في غرفة صفیة، إنھا تلك التي يدعمھا ويعززھا مشرفون ومؤسسة بعیداً عن المتعلمین. وھناك تعريف آخر للتعلم عن بعد ينص على أن التعلم عن بعد ھو ذلك النوع من التعلم الذي يعتمد على توظیف التقنیات التربوية سواءً في إعداد النظام التعلیمي القائم على الدراسة الذاتیة أو إعداد المواد التعلیمیة القائمة على التعلم الذاتي أو في إستخدام الوسائل أو الأسالیب التقنیة الحديثة أو في تقويم المناھج التعلیمیة أو تقويم تحصیل المتعلمین. ومن حیث المبدأ، يقوم التعلم عن بعد على عدم إشتراط الوجود المتزامن للمتعلم مع المعلم أو القائم بالعملیة التعلیمیة في الموقع نفسه، وبھذا يفقد كلاً من المعلم أو القائم بالعملیة التعلیمیة والمتعلم خبرة التعامل المباشر مع الطرف الآخر. ومن ثم تنشأ الضرورة لأن يكون بینھما وسیط. وللوساطة ھذه جوانب تقنیة وبشرية وتنظیمیة، فضلاً عن أن المتعلم يتمكن من إختیار وقت التعلم بما يتناسب مع ظروفه الخاصة، دون التقید بجداول منتظمة ومحددة سلفاً للإلتقاء بالمعلم، بإستثناء إشتراطات التقییم.
إن التعلم عن بعد والذي يعد تعلم جماھیري يقوم على أساس فلسفة تؤكد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعلیمیة المتاحة، بمعنى تقديم فرص التعلم والتدريب لكل من يريد في الوقت والمكان الذي يريده دون التقید بالطرق أو الأسالیب والوسائل الاعتیادية المستخدمة في عملیة التعلم العادية.
تطور التعلم عن بعد
أول ظھور للتعلم عن بعد كان من خلال التعلم بالمراسلة، أي إن الواسطة أو الوسیلة له كانت الخدمة البريدية التي ساعدت في نقل المواد الدراسیة مطبوعة، أو مكتوبة، بین القائم بعملیة التعلم (المعلم) واالشخص المتعلم. وبعده بدء البث الإذاعي ومن ثم إستخدام الراديو في التعلیم. وبتقدم الصناعات الكھربائیة والإلكترونیة إزداد أھمیة دور الصوتیات بشكل عام في ھذا المجال من خلال أجھزة التسجیل، ثم ظھر التلفزيون، وتلاه الفیديو. وازدادت أھمیة أشكال البث التعلیمي، سمعا ورؤية، مع شیوع استعمال الأقمار الصناعیة. وبانتشار الحواسیب الشخصیة وشبكات الحواسیب، أصبحت تطبیقات الحواسیب، خاصة تلك القائمة على التفاعل، ولكن مع تطور التكنولوجیة الحديثة بدأت دائرة التعلم عن بعد تتسع حالیا لتشمل مجموعة كبیرة من تطبیقات الحواسیب ووسائط الاتصال الحديثة كالأقمار الصناعیة وشبكة المعلومات (الانترنیت). فتوفیر التطبیقات الخاصة بالحواسیب في الوقت الحاضر من أھم وسائل التعلم عن بعد، وأكثرھا فعالیة، وعلى وجه الخصوص في میدان التعلم الذاتي، فضلاً عن إنھا تعد أيضاً من أھم سبل أو وسائل نقل النص الدراسي، والصور، والحركات أو المھارات، والخبرات الحسیة بواسطة أسالیب متعددة، كأسالیب الإتصال تظھر من خلالھا أحیاناً ما يوفره أقدر المعلمین في قاعات التدريس الإعتیادية. ويمكن الآن بإستخدام الأقمار الصناعیة الإتصال ھاتفیاً وتوصیل البث الإذاعي، صوتاً وصورة، لمواقع أو بیئات نائیة دون شبكات بنیة أساسیة أرضیة مكلفة.
بدأت الخطوات الأولى للتعلم عن بعد عام 1856م في ألمانیا قام بھا شارل توسان وھو فرنسي كان يقوم بتدريس اللغة الفرنسیة في برلین، وكان وجوستاف لانجنشدات أحد أعضاء جمعیة اللغات الحديثة في برلین، حيث فكر في تأسیس مدرسة للتعلم عن بعد أو كما يسمیه البعض التعلم من بعد ھي مدرسة اللغات بالمراسلة.
بعدھا أخذت الولايات المتحدة بتأسیس مناھج التعلیم بالمراسلة في جامعة إلینوي الحكومیة University of Illinois عام 1874م وبھذه الخطوة إنتشر التعلم عن بعد في أنحاء العالم كافة وكان للدول العربیة دور كبیر في ذلك، وأعتبرت جامعة القدس المفتوحة Al-Quds Open University كنموذج يحتذي به في ھذا المجال. ومنحت أولي تراخیص الراديو التعلیمي في العشرينیات الأولي من القرن الحالي في الولايات المتحدة الأمريكیة. وبدأ البث التلفزيوني التعلیمي في عام 1950م. وفي عام 1971م وفي بريطانیا بالتحديد أنشئت أولى وربما أھم الجامعات المفتوحة. وفي منتصف الثمانینیات وفي الولايات المتحدة الأمريكیة بدأ إستخدام شبكات الحواسیب في التعلم عن بعد عندما سمحت مؤسسة العلم القومیة للجامعات الأمريكیة فرصة إستخدام شبكة الإنترنت. بعدھا أي في التسعینیات، بدأت خطوة إنتشار إستخدام الوسائط الحاسوبیة في التعلیم قبل الجامعي، وفي أماكن العمل وفي البیوت.
إن التطورات العديدة والكثیرة التي شھدھا القرن العشرون في المجال التكنولوجي وسائل الإتصالات ساھم كثیراً في تقدم الجوانب التربوية والتعلیمیة، وبسبب الزيادة الكبیرة لعدد سكان العالم وصعوبة توفیر فرص التعلم للجمیع إلى جانب فوات الأوان للعديد من أفراد ھذا العالم عن فرص التعلم، كل ذلك ساھم في ظھور طرائق أو أسالیب جديدة للتعلم تلبي تلك الإحتیاجات المتزايدة بخطوات سريعة، وإنطلاقا وتعزيزاً من مبدأ التعلم للجمیع ظھر نظام التعلم عن بعد.
فلسفة التعلم عن بعد
تقوم الفلسفة التربوية للمتعلم عن بعد على الأتي:
- إتاحة الفرص التعلیمیة لكل المتعلمین الراغبین والقادرين على ذلك.
- مرونة التعامل بین محاور العملیة التعلیمیة.
- تنظیم موضوعات المنھج وأسالیب التقويم حسب قدرات المتعلمین وظروفھم.
- إستقلالیة المتعلمین وحريتھم في إختیار الوسائط وأنظمة وأسالیب التوصیل.
- تصمیم المناھج الدراسیة بصورة تستجیب لإحتیاجات المتعلمین الحقیقیة في مجالات عملھم المختلفة.
- تلبیة إحتیاجات بعض الشرائح الإجتماعیة ذات الظروف الخاصة.
- الإسھام في تحسین نظم وأسالیب التعلم عن بعد التقلیدية.