عمل سلاطين الدولة الإسلامية بعد فتح القسطنطينية على بناء الجوامع بأفضل جودة، وبأجمل المواصفات، بالإعتماد على الطراز المعماري العثماني، فتركوا آثاراً جميلة من الجوامع الكبيرة المتميزة، والتي باتت معلماً من معالم مدينة اسطنبول. ولعل من أهم وأكبر الجوامع التي تم بنائها بعد فتح القسطنطينية هو جامع الفاتح الذي أمر ببنائه السلطان محمد الفاتح عام 1463م وأستمر بناؤه حتى عام 1470م، على أثار كنيسة بيزنطية قديمة كانت قد دمرت منذ الحملة الصليبية الرابعة.
يقع جامع الفاتح على إحدى تلال مدينة اسطنبول السبعة، وعلى إمتداد القرن الذهبي وتحديداً على شارع فوزي باشا في منطقة الفاتح في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول.
صمم وبنى الجامع المعماري سنان عتيق Atik Sinan، حيث بني الجامع على شكل مجمع يضم، مدارس، مكتبة، مستشفى، نزلاً للمسافرين، كاروانسرا (بيت للمسافرين)، سوق، حمام ، مدرسة ابتدائية، مطبخ كان يقدم الطعام للفقراء، وقد أضيف حوله العديد من القبور أو المقامات فيما بعد.
بني الجامع الحالي على أساس مخطط مختلف تماماً عن الجامع الأصلي، وأنهي بناؤه عام 1771م في عهد السلطان مصطفى الثالث، صمم وبنى الجامع الجديد المعماري سنان آغا، ويتكون من القبة المركزية التي يبلغ قطرها 26 م مدعمة بأربع قبب صغيرة على كل محور، وهي مدعمة بأربعة أعمدة رخامية، تزيّنها أسماء الخلفاء الأربعة وأسماء الصحابة المبشرين بالجنة. وهناك مئذنتان لهذا الجامع متطابقتان في الشكل، أما المنبر والزخارف الخطية التي تنتشر في أنحائه فهي تتخذ الطابع الباروكي. والمحراب نفس محراب الجامع القديم.
يجمع الجامع بين طرازين من فن العمارة العثمانية وذلك نتيجة تعرضه لكوارث زلزالية عديدة وبالأخص زلزال عام 22 أيار (مايو) / 1766م، والذي تسبب بإنهيار قبة الجامع بشكل لا يمكن إصلاحها فأعيد بناؤها من جديد.
أما باحة الجامع فتحيط بها أعمدة وأقواس كثيرة، يتوسطها متوضأ للرجال، وألحق بقسمها الجنوبي مرقد السلطان محمد الفاتح محاطاً بسور زجاجي مزخرف، يحيط بالمرقد جدران منقوشة بآيات قرآنية وبحديث نُسِبَ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: " لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْاَمِيرُ اَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ".