تعد سنوات الدراسة الجامعية أعظم من معلومات يخزنها الطالب في ذهنه، وأكثر من محاضرات وكتب ودفاتر ومصنفات، وأهم من شهادة يلصقها على الحائط. سنوات الدراسة الجامعية هي سنوات تكوين علمي وثقافي وإجتماعي، فالتخصص ليس إلا جزء يسير منه، وبقدر ما يهتم الطالب الجامعي بهذا التكوين، ينال الحياة ويتكون المستقبل.
وعليه وقبل تقديم ورقة المفاضلة تبقى بعض النصائح البسيطة التي يمكن أن تكون مفيدة لطالب أو لآخر:
- ليس هناك خيارٌ أفضل على نحوٍ مطلق، بل هناك خيارٌ أفضل بالنسبة لطالبٍ أو لآخر. أي أن دراسة الطب البشريّ مثلاً ليس أفضل شيء يمكن أن يختاره الطالب، حتَّى لو كانت درجاته تؤهله لذلك، قد يكون خياراً مثاليّاً للكثيرين ولكن ليس للجميع. إنّ الطالب نفسه هو الذي يقرّر ذلك.
- كل طالب حالة خاصة. لا توجد قواعد مطلقة تفرض إختصاصٍ أو آخر. وإذا كانت هناك قاعدة معيَنة أو معيار ما قد جعل طالب ما يختار دراسة الأدب فهذا لا يجعل من هذه القاعدة أو ذلك المعيار شيئاً منزلاً بالنسبة لطالب آخر. وعلى الأهل على نحو خاص تفهم خصوصية كل ولد من أولادهم.
- هناك من الطلاب من حددوا خياراتهم بشكل مسبق وأحياناً منذ مراحل مبكرة من الطفولة. إن إعادة النظر في الخيار في اللحظة الأخيرة أمر مشروع، بل ومطلوب أيضاً، ففي كثيرٍ من الأحيان يكون الخيار المبكر نتيجة التأثر بشخصٍ ما أو بظرف ما، وهو على الأغلب غير واعٍ لنفسه، فالذي إختار منذ مرحلةٍ مبكرة أن يصبح مهندساً مدنياً لأن والده مهندس مدني مثلاً، يمكن ألاَّ يعرف إن هذه الدراسة تتضمن مقداراً كبيراً من الرياضيات، أو يمكن ألاَّ يعرف الكثير عن الإختصاصات والفروع الأخرى.
- من المناسب جداً أن يحاول الطالب قبل تحديد خياراته التعرُّف على نفسه بشكل أعمق: يمكن ذلك من خلال طرح بعض الأسئلة: حول ماذا تدور إهتماماتي وتحركاتي في الحياة؟ ما هي المواضيع التي إهتممت بها في المدرسة أكثر من غيرها، وكذلك في الحياة اليومية؟ ما هي مجالات تفوقي وما هي نقاط ضعفي؟ عل أنا جيِد في الحياة؟ هل أنا مبدع، وفي أي مجال؟ هل أنا صاحب مشاريع؟ هل أنا إجتماعي؟ ماذا تتطلب دراسة هذا الفرع أو ممارسة هذا العمل وهل تتوفَّر بي تلك الصفات؟! على الطالب أن يطرح الأسئلة بدقة هنا، وأن يجيب بموضوعية، ومن الحسن جدا أن يفعل ذلك مع أكثر من شخصٍ (صديق كبير، أهل،...)
- إن الإستئناس برأي المقربين كالمعلِمين من أصحاب الثقة أو الأهل أو بعض الأقارب أمر مفيد جداً. وبشكل عام فإنّ عادة التحدث مع الآخرين، ولا سيما صديق ناضج ومسؤول وموضع ثقة، حول مواضيع هامة ومفصلية في حياة المرء هي عادةٌ يحسن إكتسابها وممارستها.
- في كثيرٍ من الأحيان يجهل المتقدمون إلى الجامعات تفاصيل الدراسات التي يختارونها، إن معظم المتقدمين إلى كلية الآداب (لدراسة الأدب الفرنسي أو الإنكليزي مثلاً) يعتقدون إنهم على باب دراسة اللغة الفرنسية أو الإنكليزية ويجهلون إنهم سيدرسون مواد عن الشعر والقصة والمسرح والنقد الأدبي واللسانيات، بل إن معظمهم لم يسمع كلمة "لسانيات" من قبل... من المفيد جداً أن يسأل الطالب قبل التقديم لاختصاص معين طلاباً سبقوه إلى الكلية نفسها أو تخرجوا حديثاً منها. إن معرفة ماهية الدراسة المقبلة يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تقليل نسب الطلاب الذين يدخلون الجامعة ولا يتخرجون منها.
- كثيراً ما تلعب ظروف آنية عابرة دوراً هاماً في تحديد الإختيار، يمكن لبعض الطلاب أن يختاروا فرع دراستهم على أساس ما إختار بعض أصدقائهم أو ربما واحداً من أصدقائهم، أو على أساس قرب الكلية من بيتهم أو من مدينتهم... أعتقد أن على الطالب أن يفكر هنا في المستقبل أكثر مما في اللحظة، وبمجمل حياته أكثر مما في ظرفه الراهن.